مذكرات مليونير
فبراير 19th, 2009 بواسطة Mr. A
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الحكيم عرق الأثلة قديماً " قبل أن تبحر معي فك عقلك وحطه في كيسه ! " .. وها أنا ذا أقول لكم أني ولمت الأكياس بالقرب من باب الموضوع <<— يعني لا احد يدخل إلا فاك عقله
أسم الطالب : مذكرات مليونير .
المادة : ……………..
السنة الدراسية : ……………
<<— كاتب مذكراته في دفتر أبو أربعين
1982 ميلادي
في إحدى الليالي الربيعية الدافئة وفي إحدى المستشفيات الراقية .. تحديداً في قسم الولادة .. وبالتحديد أكثر في ثاني غرفة على اليمين بعد مكينة البيبسي اللي في السيب .. سمعت هناك صرخات طفلٍ حديث الولادة .. طفلٍ تتقوطر منه البراءه ويتكبكب منه الجمال .. ابيض البشرة ,أزرق العينين , أحمر الوجنتين , أشقر الشعر .. للأسف لم أكن أنا هذا الطفل .. لقد كنت الطفل القبيح ذو الرأس المثلث في السرير الذي يليه .
قاطع نظراتي الحاسدة للطفل الجميل الذي بجانبي دخول والدي الثري للغرفة وهو يحمل في يده باقة ورد وفي يده الأخرى مفتاح السيارة التي قد اشتراها هديه لي .. ثم دخل خلفه العديد من الخدم حاملين معهم العديد من الهدايا والألعاب .. أقترب مني وقال لي وهو يلاعبني : منهو الولد المملوح ؟ .. منهو الوسيم ؟ .. يا حلو .. يا قمر .. يا عسل .. لم أستطع أن انتظره حتى يفرغ من مدحي الزائف .. نظرت إليه ولسان حالي يقول .. صدق من قال ( القرد في عين أمه غزال )
لم يتوقف والدي عن مداعبتي .. بل زاد الطين بله حين بدأ بوضع يديه على عينيه ثم إبعادها بسرعه وقوله لي : دييي يا حلوو .. ديييي يا حلو .. نظرت إليه مرة ً أخرى وكانت نظرتي له هذه المرة مفعمة بالتعجب وعلامات الإستفهام .. وكأنني اقول له .. من جدك الحين تتكلم عني .. من جدك انا زين؟ .. بالله رح شف الولد اللي جمبي وأرجع .. صدقني بتعرف انك ماخذ مقلب فيني من جد
في هذه الأثناء دخل علينا في غرفة الحضانة عشرات الممرضات اللاتي قد أعطاهن والدي بقشيشاً للعناية بي .. تبدأ الأولى بتمشيط شعري الذي لم يظهر بعد وتأتي الأخرى بمقص أظافر كي تقلم أظافري ثم تعقبها أخرى وتضع في يدي جهاز التحكم عن بعد الخاص بالتلفاز .. يقطع لحظات الدلال اللي كنت أمر بها دخول المدير المناوب للغرفة .. يرمق الممرضات بنظرات مخيفه , تضع كل ممرضة ما في يدها من شدة الخوف .. لا تزال نظرات المدير مستمرة لهم .. وقبل أن يخرجن من الغرفة تكلم قائلاً : ما شاء الله تبارك الله .. هذا الغالي ( مستر أي ) ؟ .. تأكدوا لا يكون محتاج شيء !
1989 ميلادي
تتعالى الصرخات تلو الصرخات من قصرنا الكبير أثر شجار ٍ عنيف بين والدتي و والدي .. لدرجة أن الجدران قد أغلقت أذانها وأثاث الغرفة قد خرج مسرعاً وهو يقول : يوووووه وش ذا الإزعاج ما صارت عيشه والله .. تتنهد والدتي وتخاطب والدي باستهجان: شف عاد .. تراني قلت لك يا ( أبو مستر ) .. الولد ما راح يدرس إلا في مدرسة أهلية يعني ما راح يدرس إلا في مدرسة أهلية ! .. رد عليها والدي وهو يحاول أن يهدي الوضع .. يا بنت الحلال قلت لك التعليم شيء مهم .. والمدارس الأهلية الواحد يضمن نجاح ولده فيها قبل لا يسجله حتى .. حنا ما نبيه ينجح وبس .. حنا نبيه يتعلم تعليم صح وتكون بدايته مع الدراسة بداية قوية
عشان كذا أنا قررت أسجله في المدرسة الحكومية اللي جمبنا .. على الأقل ولو للمرحلة الابتدائية بس .. بحيث انه يتأسس تأسيس قوي من حيث التعليم .. مثلك عارفه يا ( أم مستر ) مدارسنا الحكومية تغيرت عن أول .. ما عاد فيه مقولة " لكم الجلد ولنا العظم " زي منول ! .. الحين التطوير شملها وابتعدت كل البعد عن الحفظ والترديد الغير مفيد .. هذا غير أنها معروفة بحسن التعامل وحرصهم الأول والأخير على إيصال المعلومة الصحيحة بأسهل الطرق دون المساس بالطلاب جسدياً أو عقلياً
في هذه الأثناء كنت جالسًا في فناء القصر وقد وضعت يدي على خدي والحيرة تعتلي محياي .. أي سيارةٍ أختار كي يوصلني السائق بها للمدرسة ؟؟ .. ولكن و بعد طول تفكير قررت أن أذهب بثلاث سيارات .. سيارة توصلني والثانية توصل حقيبتي المدرسية والثالثة عشان تتأكد ان حنا ما نسينا شيء
***
بعد مضي مدة تعادل الإسبوع في ذاك الزمان ( تتكلم عن العصر الحجري أنت ؟ ) إذا بوالدتي توقظني في الصباح الباكر وتخاطبني بصوتٍ حنون .. ( مستر أي ) .. ( مستر أي ) .. قم يالله يله تراك متأخر على المدرسة .. يالله لا تتأخر زيادة ترى الساعة الحين تسع
عندها سمعت أحد الطلاب وهو يقول لزميلة ساخراً .. شف شف لايفوتك ذا اللي مخلي السواق ينزل يفتح له الباب .. ناقص بس فرشة حمراء و النشيد الوطني وتحس انك تشوف حفل استقبال في القناة الأولى
سفهتهم ودخلت لمبنى المدرسة والطلاب في وقت الفسحة .. التفت فإذا بـ ( طفاية ) يمشي بجانبي ومعه حقيبة في يده .. سألته متعجباً : بتدخل معي للمدرسة يا ( طفاية ) ؟؟ .. يجيبني : أيه يا مستر .. أمك موصيتني ومحرصتني عليك .. وبعدين ترى ….. قاطعته قبل أن ينهي حديثه وقلت : يوووه طفاية .. طفاية .. الحق وش ذا الناس اللي صافين ورى بعض ؟ .. اصبر اصبر لا تقول لي ! .. خلاص عرفت .. أكيد هذا اللي يسمونه ( سرى على مخبز تميس ) .. صح علي ؟؟
الله يا ( طفاية ) من زمان كان ودي اشوف مخبز التميس اللي يقولونه .. بسرعه بسرعه بروح اوقف جمبهم هناك وانتي تعال صورني عشان أوري الصور لأمي ولأصحابي في الويب سايت حقي .. يضحك ( طفاية ) ثم يرد على استفساري المفعم بالدلاخة : لا لا يا مستر أي .. هذا طال عمرك المقصف الطلابي .. هنا يبيعون الفطور والحلويات للطلاب اللي في المدرسة .
بعد عدة أيام يتلقى والدي اتصالاً من سكرتيره في الشركة ويخبره أن مدير المدرسة يريد التحدث إليه .. رد عليه والدي وقبل أن يبدأ بالتحدث معه إذا بالمدير يصرخ عليه قائلاً : مشينا أن ولدك يجي للمدرسة كل يوم ومعه الحارس الشخصي وصرفنا مكتب الإشراف يوم شافوه وقلنا أنه عامل نظافة .. وتغاضينا عنه وهو يجيب معه اللاب توب والبلاي ستيشن كل يوم للفصل وبرضو مشيناها على مكتب الإشراف وقلنا أنها وسائل تعليمية للشرح ..
بس كون أن الولد يدور في الفناء المدرسي وهو يدخن سيقار !! .. وكون أنه يشتري كل يوم له ولزملائه من المقصف ولا يدفع ولا ريال بحجة أن المقصف ما يحاسب ببطاقة الفيزا ؟ .. هنا نكون وصلنا حدنا عاد .. واسمح لي أقول لك تعال خذ ولدك من المدرسة فوراً .. ما عاد بقى الإ نحط في الفناء المدرسي مكينة صراف عشان نرضي ولدك بعد !!
عاد والدي للمنزل فوجدني مرتمياً في حضن والدتي والدموع تنهمر مني .. خاطبني مستفهماً : وش فيك ؟؟ .. لم أستطع أن أرد عليه فلقد كنت متغلقاً من شدة البكاء .. ثم بادرت والدتي بالكلام : شف يا ( أبو مستر ) المدرسة ذي أبيك بكره تشتريها وتهدم المبنى حقها وتحط بدالها محل بيع قطع غيار أو مطعم بخاري حتى … أهم شيء ينهد المبنى ما أبي ولدي بكره إذا مر من عند المدرسة يتذكرها ويتذكر اللي صار له ويتعقد !!
طيب قولوا لي الحين وش اللي صاير ؟؟!! .. كانت تلك هي أخر جملة سمعتها من والدي قبل أن أفقد الوعي .. حضنتني والدتي وهي تبكي وقالت : حسبي الله على اللي كان السبب !! .. أمسك والدي بيدها وقال لها وهو غاضب : وش صاير للولد ؟؟
خاطبته والدتي وهي تمسح دموعها : تخيل اليوم المدير نادى ( مستر أي ) للمكتب حقه وعطاه الملف حقه وقال له خذه لبيتكم خلاص أنت مفصول ! .. يتنهد والدي ويقول : أيه دريت انه انفصل .. المدير اتصل علي في المكتب اليوم .. تصرخ والدتي مقاطعةً كلام والدي : ما همني فصله من المدرسة أصلاً , اللي قاهرني .. هو طلب المدير من ولدي .. أجل يقول له شل ملفك !! .. أنا ولدي يشيل ملفه ؟؟ .. وش فايدة العمال الموجودين في المدرسة ؟؟ .. ليه ما يشيلونه عنه ؟؟ وإلا لازم يعقدون الولد يعني , أنا قلت لك من قبل مانبي مدرسة حكومية بس أنت ما اقتنعت وهه هذي هي النتيجة .. من بكرة لازم نشتري أقرب أرض للبيت ونبني فيها مدرسة خاصة عشان يدرس فيها .
1995 ميلادي
في صيف ذاك العام كنت قد انتهيت من دراسة المرحلة الابتدائية في المدرسة الخاصة التي بناها لي والدي .. وككل صيفية تصيبني الحيرة , إلى أي بلد أسافر ؟؟ , وكم أمكث ؟؟ , وماذا اخذ معي ؟؟ .. يووووه تباً لهذه الحيره <<— كلن على همه سرى
قطع بهجتي وتفكيري بالسفر كلام والدي القاسي لي .. قال لي : شف يا مستر أنا أسف اني بخرب عليك الصيفية بس لازم وأنا ابوك تتعلم وتتعود من الحين ! .. أبيك تروح تدور لك أرض فاضية في الحارة عشان نبنيها لك مدرسة متوسطه .. أنا لولا أشغالي والتزاماتي وإلا كان جيت معك بنفسي .. عموماً يالله عشان ما تتأخر ونتأخر في شراء الأرض وبناءها .. ايه صح نسيت اقول لك يا مستر أي .. لا تقول لأمك عن الكلام اللي دار بينا .. لو سمحت يعني ( تراه مهوب خايف أبد )
خرجت مكرهاً أنا وحارسي ( طفاية ) وبدأنا نجول في المنطقة بحثاً عن أرضِ مناسبة لبناء المدرسة عليها .. وبعد بحث متعبٍ وطويل دام حوالي العشر دقائق إذا بنا نرى أرضً مناسبة تماماً , أردنا أن نقف بقربها كي نسأل أحد المارة عن صاحب الأرض فصادفنا مجموعة من الأولاد الحفاةً قد رفعوا أكمامهم وطووا بناطيلهم وكانوا يضربون بأقدامهم شيء مستديراً لا أعرف ما هو ؟؟ .. يا ترى هل هذا هو الحب الذي يتكلم عنه الناس ؟؟ <<— لا عاد تفكر مره ثانية تكفى !
لفت نظري من بين أولائك الأولاد شاب جميل .. ابيض البشرة ,أزرق العينين , أحمر الوجنتين , أشقر الشعر .. التفت إلى ( طفاية ) وقلت له : ياخي تشوف القهر .. شف ذا الولد وين ساكن و وش لابس وما شاء الله شكله زين .. وأنا شف وش راكب ومن أنا ومع ذلك شين .. بس يالله أكيد ما راح يكون بمثل أخلاقي وشجاعتي وفطنتي وذكائي .. صح يا ( طفاية ) ؟؟ .. صح أنا أحسن منه ؟؟
تنهد ( طفاية ) ثم قال لي مصرفاً : أحم .. أيه أيه أنت أحسن منه .. إلا وش رأيك يا ( مستر أي ) نروح نسأله عن الأرض ؟؟ .. ابتسمت وقلت له مفهياً : أوكي رح ناده .. ذهب ( طفاية ) إلى الولد وأخبره بأنني أريد التحدث إليه ثم عاد ( طفاية ) إلى السيارة وبصحبته الولد , أنزلت نافذة السيارة استعداداً للتخاطب معه وقبل أن أتكلم سقط الولد مغشياً عليه من شدة الضحك وقال لي : بالله عليك هذا وجهك صدق وإلا لابس قناع ؟؟ لا لا هذا مهوب وجهك , متنكر صح ؟؟ .. لا أخفيكم بأنني كدت أن أقول للسائق بأن يدهسه بعد خطابه الجارح لي ولكن طيبتي وكرمي وشجاعتي منعتني من فعل مثل هذا العمل المشين .. ما قلت لكم إني طيب ؟؟
ابتسمت في وجه الولد وقلت له : هههههههههه لا هذا وجهي للأسف .. لو معجبك علمني الحين أسوي عملية تبديل وجوه وعلى حسابي بعد , هاه وش قلت ؟؟ إلا ما قلت لي وش اسمك ؟؟ .. تنهد الولد وقال لي بصوتٍ واطي : اسمي ( برّايه ) .. ضحكت بشدة حتى كاد نفسي أن ينقطع وقلت له وأنا أحاول أن أتمالك نفسي : وشو .. وشو .. ( برّاية ) ؟؟ هذا اسمك الحين بالله ؟.. اصبر اصبر لا تقول لي .. أكيد مولود في مكتبة خدمات طالب وأسم امك ( منقلة ) .. صح ؟؟
أجابني ( برايه ) بذهول : أيه صح عليك أسم امي ( منقلة ) وش لون دريت ؟؟ .. لا يكون تراقبنا ؟؟ ( بعض الناس ما ودكم يفكر ) .. وبعدين أحترم نفسك تراني مولود في أحسن وأرقى مستشفى في الرياض !! .. هنا بدأت أسلاك عقلي تتشابك وتتشابك و تتشابك وتتشابك وقبل أن يسوء الوضع ويصبح عقلي كشبكة العنكبوت استطرت قائلاً : طيب يا ( برّايه ) وش رايك نروح نتغدا سوا ؟ .. وقبل أن اسمع موافقته إذا بأحد الفتية يصرخ : يا ليت يا ( برّايه ) قبل لا تركب معه تاكل لك شوي تراب من البرحه .. ماله داعي يعورك بطنك من الأكل الزين خصوصاً انك ما تعودت !
ذهبنا إلى المطعم و وسط غداءِ تكسوه الرومنسية عرفت بأن ( برّاية ) ما هو إلا الطفل الأطخم الذي كان بجانبي وقت الولادة .. نعم يا أخون هو نفسه ذاك الطفل الذي كنت أحاول أن احسده .. ومن الواضح أنني لم أستطع <<– واضح انك للحين منقهر من جماله
عائلة ( برّايه ) كانت من الطبقة دون المتوسطة وقد بدأ والدته المخاض وهي بالقرب من مستشفىً فارهه .. وعندما حاول والد ( برّايه ) أن يدخلها لتلد في المستشفى لم يستقبلها لأنها لم تكن قادرة على دفع رسوم الولادة المكلفة ! .. في تلك الأثناء دخل والدي ومعه والدتي والتي بدورها قد بدأها المخاض هي ايضاً .. رأى والدي عائلة ( برّايه ) وهم يتفاوضون مع موظفين الاستقبال .. أشار والدي بيديه للموظف مشيراً له بأن حساب هؤلاء علي ! (جالسين في مطعم ؟ ) .. ثم بعد ذلك تمت ولادتي و ولادة ( برايه ) .. وبعد أن انتهينا من الغداء أرجعت ( برّايه ) من حيث أخذته
***
كان هذا هو لقائي الأول مع ( برّايه ) وللأسف لم يطل هذا اللقاء .. فلقد أشترى والدي تلك الأرض وبنى فوقها مدرسة ً خاصة لي ولم يعد ( برايه ) وأصدقائه يدحرجون ذلك الشيء المستدير مرة ً أخرى هناك !
2001 ميلادي
" انتبببببببببه !! " انطلقت تلك الصرخة من زميلي الذي كان متمسكاً بشدة في مرتبة السيارة من شدة الخوف إلى درجة أنها اختنقت وانقطعت أنفاسها واضطررنا أن نقلها إلى المستشفى كي نسعفها بالتنفس الصناعي ! <<– تراها مرتبه يا أبو الشباب
يرن منبه هاتفي المحمول , أخرجته من جيبي لأجد " لديك 1 رسالة جديدة طال عمرك " فتحت الرسالة وإذا بها من والدتي .. تقول فيها :
الف الف مبروك النجاح يا مستر أي .. واخيراً جاء اليوم اللي شفتك تتخرج فيه يا بعدي وبأمتياز بعد .. فعلاً صدق من قال " من جدّ وجد " هذي هي ثمرة أعمالك وتعبك .. الليلة حفلة تخرجك لا تتأخر .. أيه صح وعلى دربك وانت جاي جب معك خبز صامولي
<<– من قال ان الأغنياء ما ينكرفون ؟؟
أبتسمت وقلت : انا أجيب خبز صامولي ؟! .. لا لا ما يصير كذا بريستيجي يخرب وانا مالي قطع غيار ها ها ها .. ضحك زميلي على تميلحي واستخفاف دمي المتصنع وهو يتصبب عرقاً من شدة الخوف ثم استطرد : بالله عليك يا مستر أن تهدي شوي .. تكفي عشاني هد شوي بس ! .. ياخي ترى عندي أحساس أننا إذا وقفنا بنلقى المرتبة صايرة عصير من كثر ما أنا ماسكها بقوة !
***
في المساء ذهبت إلى الحفلة الكبير التي أعدتها لي والدتي وأحضرت معي الخبز التي أوصتني عليه .. يااااه ما أصعب إيجاد الخبز في هذه المدينة ! .. تخيلوا , لقد أخذ مني البحث عنه حوالي الثلاث ساعات .. ذهبت إلى برج المملكة وإلى برج الفيصلية ولم أجده ! .. وفي النهاية وجدته بالصدفة في أحدى البقالات الصغيرة التي تدعى العثيم <<– انواع الحقران
دخلت على والدتي وأعطيتها الخبز و وقفت أمامها متميلحاً بانتظار الإطراء والمدح والثناء على هذا المجهود الذي عملته .. ولكن !! .. أخذت والدتي الخبز وأعطته لأحد الخدم وقالت له بكل برود : رح حطه للطيور اللي في الحوش يقول الطبيب البيطري انهم يحتاجون الخبز ما بين كل فترة وفترة .. بعد انتهاء الحفلة الصاخبة ذهب جميع الفنانين والمشاهير ولم يتبقى سواي أنا و والدتي وعندها صارحتني بحبها لي .. امزح امزح .. بس كنت بسوي أكشن
أخبرتني والدتي بأنها أمرت ( طفاية ) بإرسال شهادتي لأحد الجامعات الخاصة وتم قبولي هناك بكل يسر وسهولة <<– شرط أن ابوك شاريها
2005 ميلادي
تخرجت من الجامعة بتقدير امتياز وكان ترتيبي الثاني على دفعتي .. طبعاً كنت الثاني لأن اللي خذ الأول واحد أبوه أغنى من أبوي .. اتجهت إلى شركة والدي التي اشتراها حديثاً وتوقفت امام الباب مباشرة ً فصرخ رجل الأمن وقال لي : هيه أنت يالحبيب ممنوع توقف هنا !! .. نظرت إليه نظرة أستحقار وتركت سيارتي أمام الباب ودخلت دون أن أكلمه .. جاء رجل أمن أخر إلى الأول وقال له : يا غبي ما تدري منهو ذا ؟! .. رد عليه الأول وهو خائف : لا ما اعرف منهو .. من يصير ؟؟ .. يتنهد الثاني ويرد عليه بثقه : ما أعرف منهو .. بس شكله ولد حمولة !
دخلت على والدي المكتب وأخبرته بأنني قد تخرجت و مستعد ومتحمس لدخول عالم رجال الأعمال من أوسع أبوابه .. قام والدي من مكتبه ليجلس في الكرسي المقابل لي وهو يبتسم قائلاً : أي رجال أعمال وأنا أبوك .. لا يكون نسيت أن تخصصك " تاريخ " ؟؟ .. طأطأت رأسي باستحياء : لا يا بابا ما نسيت أن تخصصي " تاريخ " .. وقفت مقترباً من والدي واستطردت .. بس لا تنسى يا بابا أنك أنت مدير الشركة وتقدر توظفني في إي منصب أبيه !
وقف والدي مرة ً أخرى متنهداً : يا مستر أنا ما ودي تتوظف عندي ويجيك كل شيء جاهز ومجهز .. انا يا مستر قاسيت الحياة .. بديت من الصفر .. تعبت في كل قرش جمعته .. عانيت وسهرت عشان أوصل للي أنا فيه الحين .. الشركات والعقارات اللي عندي كلها ثمرة مجهود استمر سنين كثيرة .. فهمت يا مستر أي وش قصدي ؟؟ .. وقفت بالقرب من والدي والثقه تعتلي محياي : أيه يا بابا فهمت .. قصدك تعلمني أن عندك شركات كثيرة وما تدري وين تبي توظفني فيه .. صح ؟
بعد إجابتي السابقة وضع أبي يده على قلبه وطلب مني الرحيل وأن افعل كما يحلو لي .. يا ترى ماذا أصابه ؟؟
***
خرجت من مكتب والدي وبينما أنا امشي في ممرات الشركة أبحث لي عن أفضل مكتب لكي أعمل به إذا بي أرى رجلاً جميلاً , أبيض البشرة ,أزرق العينين , أحمر الوجنتين , أشقر الشعر .. أنتظروا قليلاً .. أنني أعرف هذا الشخص .. أنه ( برّايه ) !! <<– الظاهر مافي الرياض رجال حلو إلا هو !
اقتربت منه وضربت على كتفه بلطف قائلاً : هاي برايه وش أخبارك ؟؟ و وش عندك هنا في شركة بابي ؟؟ .. التفت إلي فإذا بي أرى لسانه قد وصل إلى صدره , استطرت بسرعة : وش فيك وش صاير لك ؟؟ واخيراً قدرت أحسدك من يوم اني صغير وانا انتظر هاللحظه .. صفط برّاية لسانه بيده ثم قال لي وهو يلهث : أبد مافيني شيء .. مثلي مثل أي مواطن سعودي توه متخرج وجالس يلف على الشركات بشهادته عشان يدور وظيفه.
تصدق الحين عرفت ليه ارتفع سعر البراويز في المحلات .. الناس صارت تتخرج وتبروز شهادتها وتعلقها على الجدران .. إلا على الطاري من أنت تراني ما عرفتك ؟ وبعدين وش لون عرفت اسمي ؟ .. ابتسمت في وجهه وقلت : الحمد الله أن بابا فاتح مصنع براويز في المكسيك وإلا كان توهقت إذا جيت أعلق شهادتي <<– أخر واحد يفهم في العالم
أحم أحم .. أيه صح ما قلت لك أنا مستر أي غريبة ما عرفتني ؟؟ قلت لي جاي تدور على وظيفة ؟؟ .. تنهد برّاية وقال : اهااا ذكرتك الحين .. أيه يا مستر جالس أدور وظيفه وللحين ما لقيت شيء .. اقتربت منه وهمست في أذنه : أعتبر نفسك موظف هنا من اليوم وطالع !
***
كان والدي سخياً معي و وظفني المدير الإقليمي لشركاته و أنا بدوري كنت كريماً أيضاً و وظفت ( برّايه ) كاتباً للشركة … وبعد عدة أشهر تردت حالتي أبي الصحية بسبب الخسائر المتراكمة عليه من سوق الأسهم ومن سوء إدارتي الحكيمة ومن برّايه الحقير ايضاً <<– لازم يكون فيه كبش فداء
بدأت شركات والدتي تتقلص وحالته الصحية أيضاً تسوء .. أستمر الوضع هكذا إلى أن تلقى والدي الاتصال الحاسم الذي أنهى جميع ثروته ! .. فلقد رهن والدي جميع شركاته وأدخلها في البورصة الأمريكية وخسر جميع ما يملك .. وحتى مصنعنا حق البراويز اللي في المكسيك طاحت عليه طيارة وانفجر .. يووووه وشلون بعلق شهادتي الحين
ازدادت حالة أبي سوءً .. وأنا طردت بعد أن بيعت الشركة .. للأسف لقد فقدت الشركة أحد الرؤؤس المدبره لها .. يالله وش نسوي لهم هم الخسرانين <<– يرقع لنفسه
وبما أنني لا أملك أية مهارة .. وبما أني قد كسبت جميع شهاداتي بالمال .. لم تقبل بي أية شركة ولم أجد لي وظيفة تعيلني على كسب لقمة عيشي .. لذا اضطررت للدراسة مرة ً أخرى !
الآن ميلادي
<<– تعود يحط كلمة ميلادي
ها أنا قد تخرجت من معهد للحاسب الآلي وبهذه الشهادة أكون قد أكملت سلسلة شهاداتي .. اللغة الأنجليزية والإدارة والتسويق ولا ينقصني الآن سوى الوظيفة .. اتجهت إلى الشركة التي كانت لوالدي سابقاً وقدمت أوراقي وشهادتي لهم لعلهم يوظفوني لديهم .. وبينما أنا امشي في السيب إذا بي أرى رجلاً جميلاً .. ابيض البشرة ,أزرق العينـ …. <<– لا تكمل درينا أنه برّايه
اقترب مني وقال : مستر أي !! .. يوووه عاش من شافك .. وش جاي تسوي هنا ؟؟ .. أجبته : أبد جاي أدور وظيفة .. أبتسم برّايه وطلب مني أن ألحق به إلى مكتبه .. لحقته به وإذا بي أراه يدخل مكتبي السابق , نعم يا أخون لقد أصبح برّايه المدير الإقليمي للشركة !!
جلست وجلس بجانبي .. وقدم لي السيقار فقلت له بدلاخه : لا الله يعافيك متغدي قبل لا أجي .. واصلاً ما احب النقانق ! .. ضحك وقال لي : ما زلت درجاً كما عهدتك .. قل لي يا مستر وش معك مؤهلات ؟ .. و وش تتوقع تبي تقدم للشركة ؟ .. وكم لغة تقدر تتكلم ؟ .. وكم ….. قاطعته قبل أن يكمل جملته وقلت : الله يا الدنيا يا برّايه أنا تسألني الأسئلة ذي ؟؟ .. بالله عليك أرجع في الزمن شوي بس واسألها لنفسك يوم أوظفك .. تذكر يوم تتكلم عن شح الوظايف في السعودية وعن الشهادات
تذكر وشلون كنت تصفط لسانك كل يوم من بعد ما كنت تلف الشركات كلها وكلهم يطردونك وإلا يطلبون منك شروط تعجيزية ! .. أسمح لي يا برّايه أقول لك أنك الحين صرت مثلهم بالضبط .. ااااه بس ياليت الزمن يرجع .. قام برّايه من كرسيه ودموعه تكاد أن تخونه وربت على كتفي وقال : ليه يا مستر تبي الزمن يرجع .. وش تتمنى ؟؟ .. وقفت أنا أيضاً وقلت له بإبتسامةٍ عريضة : ما يبي لها كلام .. أكيد أبي أرجع مديرك يا دلخ !!
* * *
ما يستفاد من الموضوع :
العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها
مواضيع عشوائية :